فصل: فصل: وأما المكره: فقد اختلف أهل الأصول في تكليفه على قولين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية ***


فصل‏:‏ وأما المكره‏:‏ فقد اختلف أهل الأصول في تكليفه على قولين‏:‏

وفصل الإمام فخر الدين وأتباعه‏,‏ فقالوا‏:‏ إن انتهى الإكراه إلى حد الإلجاء‏,‏ لم يتعلق به وإن لم ينته إلى ذلك‏,‏ فهو مختار‏.‏ وتكليفه جائز شرعا وعقلا‏.‏

وقال الغزالي في البسيط‏:‏ الإكراه يسقط أثر التصرف عندنا‏,‏ إلا في خمسة مواضع‏,‏ وذكر إسلام الحربي والقتل‏,‏ والإرضاع‏,‏ والزنا‏,‏ والطلاق‏,‏ إذا أكره على فعل المعلق عليه‏.‏

وزاد عليه غيره مواضع‏.‏ وذكر النووي في تهذيبه‏:‏ أنه يستثنى مائة مسألة لا أثر للإكراه فيها‏,‏ ولم يعددها‏,‏ وطالما أمعنت النظر في تتبعها‏,‏ حتى جمعت منها جملة كثيرة‏,‏ وقد رأيت الإكراه يساوي النسيان‏,‏ فإن المواضع المذكورة‏:‏ إما من باب ترك المأمور‏,‏ فلا يسقط تداركه ولا يحصل الثواب المرتب عليه‏,‏ وإما من باب الإتلاف‏,‏ فلا يسقط الحكم المترتب عليه وتسقط العقوبة المتعلقة به‏,‏ إلا القتل على الأظهر‏.‏ وها أنا أسرد ما يحضرني من ذلك‏:‏

الأول‏:‏ الإكراه عن الحدث‏,‏ وهو من باب الإتلاف فإنه الإتلاف للطهارة‏,‏ ولهذا لو أحدث ناسيا انتقض‏,‏ وفي مس الفرج وجه ضعيف‏:‏ أنه لا ينقض ناسيا‏.‏ وإذا نوعت هذه الصورة إلى أسباب الحدث الأربعة والجماع كثرت الصور‏.‏

الثاني‏:‏ الإكراه على إفساد الماء بالاستعمال أو النجاسة أو مغير طاهر‏,‏ فإنه يفسد وهو أيضا من باب الإتلاف‏,‏ إذ لا فرق فيه بين العمد وغيره‏.‏

الثالث‏:‏ قال في الروضة‏:‏ لو ألقي إنسان في نهر مكرها‏,‏ فنوى فيه رفع الحدث‏.‏ صح وضوءه‏.‏

وقال في شرح المهذب‏:‏ قال الشيخ أبو علي‏:‏ أطلق الأصحاب صحة وضوئه‏;‏ ولا بد فيه من تفصيل‏.‏ فإن نوى رفع الحدث‏,‏ وهو يريد المقام فيه‏,‏ ولو لحظة‏.‏ صح‏;‏ لأنه فعل يتصور قصده‏.‏

وإن كره المقام‏,‏ وتحقق الاضطرار من كل وجه‏.‏ لم يصح وضوءه‏.‏ إذ لا تتحقق النية به‏.‏

الرابع‏,‏ والخامس‏:‏ الإكراه على غسل النجاسة‏,‏ ودبغ الجلد‏.‏

السادس‏:‏ الإكراه على التحول عن القبلة في الصلاة‏,‏ فتبطل‏.‏

السابع‏:‏ الإكراه على الكلام فيها‏:‏ فتبطل في الأظهر‏,‏ لندوره‏.‏ 

الثامن‏:‏ الإكراه على فعل ينافي الصلاة‏,‏ فتبطل قطعا‏,‏ لندوره‏.‏

التاسع‏:‏ الإكراه على ترك القيام‏,‏ في الفرض‏.‏

العاشر‏:‏ الإكراه على تأخير الصلاة عن الوقت‏,‏ فتصير قضاء‏.‏

الحادي عشر‏:‏ الإكراه على تفرق المتصارفين قبل القبض فيبطل‏,‏ كما ذكره في الاستقصاء وغيره‏,‏ وكذلك يبطل مع النسيان‏,‏ كما نص عليه‏,‏ والجهل‏,‏ كما صرح به الماوردي‏.‏ قال الزركشي‏:‏ وقياسه في رأس مال السلم كذلك‏.‏

الثاني عشر‏:‏ لو ضربا في خيار المجلس حتى تفرقا ففي انقطاع الخيار قولا حنث المكره‏.‏

الثالث عشر‏:‏ الإكراه على إتلاف مال الغير‏,‏ فإنه يطالب بالضمان‏.‏ وإن كان القرار على المكره في الأصح‏.‏

الرابع عشر‏:‏ الإكراه على إتلاف الصيد كذلك‏,‏ بخلاف ما لو حلق شعر محرم مكرها لا يكون للمحرم طريقا في الضمان على الأظهر‏;‏ لأنه لم يباشر‏.‏

الخامس عشر‏:‏ الإكراه على الأكل في الصوم‏,‏ فإنه يفطر في أحد القولين‏,‏ وصححه الرافعي في المحرر‏.‏ السادس عشر‏:‏ الإكراه على الجماع في الصوم فيه الطريقان الآتيان‏.‏

السابع عشر‏:‏ الإكراه على الجماع في الإحرام فيه طريقان في أصل الروضة‏,‏ بلا ترجيح‏.‏ أحدهما‏:‏ يفسد قطعا‏,‏ بناء على أن إكراه الرجل على الوطء لا يتصور‏.‏ والثاني‏:‏ فيه وجهان‏,‏ بناء على الناسي‏.‏

الثامن عشر‏:‏ الإكراه على الخروج من المعتكف فإنه يبطل في أحد القولين‏,‏ كالأكل في الصوم‏.‏

التاسع عشر‏:‏ الإكراه على إعطاء الوديعة لظالم‏,‏ فإنه يضمن في الأصح‏,‏ ثم يرجع على من أخذ منه‏.‏ العشرون‏:‏ الإكراه على الذبح‏,‏ أو الرمي من محرم‏,‏ ومجوسي‏,‏ لحلال ومسلم‏.‏

الحادي والعشرون‏:‏ إكراه الحربي‏,‏ على الإسلام‏.‏

الثاني والعشرون‏:‏ إكراه المرتد عليه‏.‏

الثالث والعشرون‏:‏ إكراه الذمي على وجه‏,‏ الأصح‏:‏ خلافه‏.‏

الرابع والعشرون‏:‏ الإكراه على تخليل الخمر بلا عين‏.‏

قال الأسنوي‏:‏ يحتمل إلحاقه بالمختار‏,‏ ويحتمل القطع بالطهارة‏.‏ 

الخامس والعشرون إلى الثلاثين‏:‏ الإكراه على الوطء‏,‏ فيحصل الإحصان‏,‏ ويستقر المهر‏,‏ وتحل للمطلق ثلاثا‏,‏ ويلحقه الولد‏,‏ وتصير أمته به مستولدة‏,‏ ويلزمه المهر في غير الزوجة‏.‏

قلته تخريجا‏,‏ ثم رأيت الإسنوي ذكر بحثا أنه كإتلاف المال‏.‏

الحادي والثلاثون‏:‏ الإكراه على القتل‏,‏ فيجب القصاص على المكره في الأظهر‏.‏

الثاني والثلاثون‏:‏ الإكراه على الزنا لا يبيحه‏.‏

الثالث والثلاثون‏:‏ وعلى اللواط‏.‏

الرابع والثلاثون‏:‏ ويوجب الحد في قول‏.‏

الخامس والثلاثون‏:‏ الإكراه على شهادة الزور‏,‏ والحكم بالباطل في قتل‏,‏ أو قطع‏,‏ أو جلد‏.‏

السادس والثلاثون‏:‏ الإكراه على فعل المحلوف عليه‏,‏ في أحد القولين‏.‏

السابع والثلاثون والثامن والتاسع والثلاثون‏:‏ الإكراه على طلاق زوجة المكره أو بيع ماله‏,‏ أو عتق عبده لأنه أبلغ في الإذن‏.‏ أما لو أكره أجنبي الوكيل على بيع ما وكل فيه‏,‏ ففي نظيره من الطلاق احتمالان للروياني حكاهما عنه في الروضة وأصلها‏,‏ أصحهما عنده‏:‏ عدم الصحة‏;‏ لأنه المباشر‏.‏

الأربعون‏:‏ الإكراه على ولاية القضاء‏.‏

الحادي والأربعون‏:‏ لو أكره المحرم‏,‏ أو الصائم على الزنا‏.‏ قال الأسنوي‏:‏ لا يحضرني فيها نقل‏,‏ والمتجه‏:‏ أنه يفسد عبادته‏;‏ لأنه لا يباح بالإكراه‏.‏ قال‏:‏ إلا أن عدم وجوب الحد‏,‏ قد يرجح عدم الإفساد‏.‏

الثاني والأربعون‏:‏ لو أكره على ترك الوضوء‏,‏ فتيمم‏.‏ قال الروياني‏:‏ لا قضاء‏.‏ قال النووي‏:‏ وفيه نظر‏.‏ قال‏:‏ لكن الراجح ما ذكره‏;‏ لأنه في معنى من غصب ماؤه‏.‏ قال الأسنوي‏:‏ والمتجه خلافه‏;‏ لأن الغصب كثير معهود‏,‏ بخلاف الإكراه على ترك الوضوء‏,‏ فعلى هذا يستثنى‏.‏

الثالث والأربعون‏:‏ الإكراه على السرقة‏:‏ لا يسقط الحد في قول‏.‏

الرابع والأربعون‏:‏ لا يرث القاتل مكرها‏,‏ على الصحيح‏.‏

الخامس والسادس والأربعون‏:‏ الإكراه على الإرضاع‏:‏ يحرم اتفاقا‏,‏ ويوجب المهر إذا انفسخ به النكاح على المرضعة‏,‏ على الأصح‏.‏ قال الأسنوي‏:‏ وفيه نظر‏.‏

السابع والأربعون‏:‏ الإكراه على القذف‏:‏ يوجب الحد في وجه‏.‏

الثامن والأربعون‏:‏ الإكراه بحق له‏,‏ وتحت ذلك صور‏:‏

الإكراه على الأذان‏,‏ وعلى فعل الصلاة‏,‏ والوضوء وأركان الطهارة‏,‏ والصلاة‏,‏ والحج‏,‏ وأداء الزكاة والكفارة‏,‏ والدين‏,‏ وبيع ما له فيه‏,‏ والصوم‏,‏ والاستئجار للحج‏,‏ والإنفاق على رقيقه‏,‏ وبهيمته‏,‏ وقريبه‏,‏ وإقامة الحدود‏,‏ وإعتاق المنذور عتقه كما صرح به في البحر‏,‏ والمشتري بشرط العتق‏,‏ وطلاق المولى‏,‏ إذا لم يطأ‏,‏ واختيار من أسلم على أكثر من أربع‏,‏ وغسل الميت والجهاد‏.‏ فكل ذلك يصح مع الإكراه‏.‏ فهذه أكثر من عشرين صورة في ضابط الإكراه بحق‏.‏

ومنه فيما ذكر الأسنوي‏:‏ أن يأذن أجنبي للعبد في بيع ماله‏.‏ فيمتنع‏,‏ فيكرهه السيد‏,‏ فلا شك في الصحة لأن للسيد غرضا صحيحا في ذلك‏:‏ إما لتقليد إمامه‏,‏ أو أخذ أجرة‏.‏ فهذه أكثر من سبعين صورة‏,‏ لا أثر للإكراه فيها‏.‏ وفي بعض صورها ما يقتضي التعدد باعتبار أنواعه‏,‏ فيبلغ بذلك المائة‏.‏ وفيها نحو عشر صور على رأي ضعيف‏.‏

تنبيه‏:‏

من المشكل‏,‏ قول المنهاج في الخلع‏:‏ وإن قال‏:‏ أقبضتني‏,‏ فقيل‏:‏ كالإعطاء‏.‏ والأصح كسائر التعليق‏,‏ فلا يملكه‏:‏ ولا يشترط للإقباض مجلس‏.‏ ويشترط لتحقق الصفة أخذه بيده منها ولو مكرهة‏.‏ ووجه الإشكال‏:‏ أن المعلق عليه إقباضها‏,‏ والإقباض مع الإكراه ملغي شرعا‏,‏ فلا اعتبار به‏.‏ قال السبكي‏:‏ فذكره في المنهاج لا مخرج له إلا الحمل على السهو‏.‏ ولم يذكر ذلك في الروضة والشرح‏,‏ إلا فيما إذا قال‏:‏ إن قبضت منك‏,‏ لا في قوله‏:‏ إن أقبضتني‏.‏ قال البلقيني‏:‏ فما وقع في المنهاج وهم‏,‏ انتقل من مسألة ‏"‏إن قبضت‏"‏ إلى مسألة ‏"‏إن أقبضتني‏"‏‏.‏ما يباح بالإكراه وما لا يباح

فيه فروع‏:‏

الأول‏:‏ التلفظ بكلمة الكفر‏,‏ فيباح به‏,‏ للآية‏.‏ ولا يجب‏,‏ بل الأفضل‏:‏ الامتناع مصابرة‏,‏ على الدين‏,‏ واقتداء بالسلف‏.‏ وقيل‏:‏ الأفضل التلفظ‏,‏ صيانة لنفسه‏.‏ وقيل‏:‏ إن كان ممن يتوقع منه النكاية في العدو‏,‏ والقيام بأحكام الشرع فالأفضل التلفظ‏,‏ لمصلحة نقائه‏,‏ وإلا فالأفضل الامتناع‏.‏

الثاني‏:‏ القتال المحرم لحق الله‏,‏ يباح به‏,‏ بلا خلاف‏.‏ بخلاف المحرم للمالية‏,‏ كنساء الحرب‏.‏ وصبيانهم فيباح به‏.‏

الثالث‏:‏ الزنا‏,‏ ولا يباح به بالاتفاق أيضا‏;‏ لأن مفسدته أفحش من الصبر على القتل وسواء كان المكره رجلا‏,‏ أو امرأة‏.‏

الرابع‏:‏ اللواط‏,‏ ولا يباح به أيضا‏.‏ صرح به في الروضة‏.‏

الخامس‏:‏ القذف‏.‏ قال العلائي‏:‏ لم أر من تعرض له‏.‏ وفي كتب الحنفية‏:‏ أنه يباح بالإكراه‏.‏ ولا يجب به حد‏,‏ وهو الذي تقتضيه قواعد المذهب‏.‏ انتهى‏.‏ قلت‏:‏ قد تعرض له ابن الرفعة في المطلب‏,‏ فقال‏:‏ يشبه أن يلتحق بالتلفظ بكلمة الكفر ولا نظر إلى تعلقه بالمقذوف‏;‏ لأنه لم يتضرر به‏.‏

السادس‏:‏ السرقة‏,‏ قال في المطلب‏:‏ يظهر أن تلتحق بإتلاف المال‏;‏ لأنها دون الإتلاف‏.‏

قال في الخادم‏:‏ وقد صرح جماعة بإباحتها‏,‏ منهم القاضي حسين‏;‏ في تعليقه‏.‏ قلت‏:‏ وجزم به الأسنوي في التمهيد‏.‏

السابع‏:‏ شرب الخمر ويباح به قطعا استبقاء للمهجة‏,‏ كما يباح لمن غص بلقمة أن يسيغها به‏,‏ ولكن لا يجب على الصحيح‏,‏ كما في أصل الروضة‏.‏

الثامن‏:‏ شرب البول‏,‏ وأكل الميتة‏,‏ ويباحان‏.‏ وفي الوجوب‏:‏ احتمالان للقاضي حسين‏.‏ قلت‏:‏ ينبغي أن يكون أصحهما الوجوب‏.‏

التاسع‏:‏ إتلاف مال الغير‏,‏ ويباح به‏,‏ بل يجب قطعا‏,‏ كما يجب على المضطر أكل طعام غيره‏.‏

العاشر‏:‏ شهادة الزور‏,‏ فإن كانت تقتضي قتلا‏,‏ أو قطعا ألحقت به‏,‏ أو إتلاف مال ألحقت به‏,‏ أو جلدا‏,‏ فهو محل نظر‏,‏ إذ يفضي إلى القتل‏,‏ كذا في المطلب‏.‏ وقال الشيخ عز الدين‏:‏ لو أكره على شهادة زور‏,‏ أو حكم باطل في قتل‏,‏ أو قطع‏,‏ أو إحلال بضع‏,‏ استسلم للقتل‏,‏ وإن كان يتضمن إتلاف مال‏,‏ لزمه ذلك حفظا للمهجة‏.‏

الحادي عشر‏:‏ الفطر في رمضان‏,‏ يباح به‏,‏ بل يجب على الصحيح‏.‏

الثاني عشر‏:‏ الخروج من صلاة الفرض‏:‏ وهو كالفطر‏.‏

 

فائدة‏:‏

ضبط الأودني هذه الصور‏:‏ بأن ما يسقط بالتوبة‏,‏ يسقط حكمه بالإكراه‏,‏ وما لا فلا‏,‏ نقله في الروضة وأصلها‏.‏ قال في الخادم‏:‏ وقد أورد عليه شرب الخمر‏,‏ فإنه يباح بالإكراه‏,‏ ولا يسقط حده بالتوبة وكذلك القذف‏.‏ ما يتصور فيه الإكراه‏,‏ وما لا‏.‏ قال العلماء‏:‏ لا يتصور الإكراه على شيء من أفعال القلوب‏.‏ وفي الزنا‏:‏ وجهان‏:‏ أصحهما‏:‏ أنه يتصور‏;‏ لأنه منوط بالإيلاج‏.‏

والثاني‏:‏ لا‏;‏ لأن الإيلاج‏,‏ إنما يكون مع الانتشار‏,‏ وذلك راجع إلى الاختيار والشهوة‏.‏

وفي التنبيه‏:‏ ولا يعذر أحد من أهل فرض الصلاة في تأخيرها عن الوقت‏,‏ إلا نائم أو ناس‏,‏ أو من أكره على تأخيرها‏.‏ واستشكل تصور الإكراه على تأخير الصلاة‏,‏ فإن كل حالة تنتقل لما دونها إلى إمرار الأفعال على القلب وهو شيء لا يمكن الإكراه على تأخيره‏.‏ وهو يفعله غير مؤخر‏.‏ وصوره في شرح المهذب بالإكراه على التلبس بمناف‏.‏

وقال القاضي زين الدين البلغيائي‏:‏ المراد أكره على أن يأتي بها على غير الوجه المجزئ من الطهارة ونحوها‏.‏ ولا يكون الإكراه عذرا في الإجزاء لندوره‏,‏ أو يكره المحدث على تأخيرها عن الوقت‏.‏ ويمنع من الوضوء في الوقت‏.‏ وقال الشيخ تاج الدين السبكي‏,‏ في التوشيح‏:‏ قد يقال‏:‏ المكره قد يدهش‏,‏ حتى عن الإيماء بالطرف‏.‏ ويكون مؤخرا معذورا‏,‏ كالمكره على الطلاق‏.‏ لا يلزمه التورية إذا اندهش قطعا‏.‏

ما يحصل به الإكراه‏.‏ قال الرافعي‏:‏ الذي مال إليه المعتبرون‏:‏ أن الإكراه على القتل لا يحصل إلا بالتخويف بالقتل‏,‏ أو ما يخاف منه القتل‏.‏

وأما غيره‏,‏ ففيه سبعة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ لا يحصل إلا بالقتل‏.‏

الثاني‏:‏ القتل‏,‏ أو القطع‏,‏ أو ضرب يخاف منه الهلاك‏.‏ 

الثالث‏:‏ ما يسلب الاختيار‏,‏ ويجعله كالهارب من الأسد الذي يتخطى الشوك والنار ولا يبالي‏,‏ فيخرج عنه الحبس‏.‏

الرابع‏:‏ اشتراط عقوبة بدنية‏,‏ يتعلق بها قود‏.‏

الخامس‏:‏ اشتراط عقوبة شديدة تتعلق ببدنه‏,‏ كالحبس الطويل‏.‏

السادس‏:‏ أنه يحصل بما ذكر وبأخذ المال‏,‏ أو إتلافه‏,‏ والاستخفاف بالأماثل‏,‏ وإهانتهم‏,‏ كالصفع بالملأ وتسويد الوجه‏.‏ وهذا اختيار جمهور العراقيين‏,‏ وصححه الرافعي‏.‏

السابع‏:‏ وهو اختيار النووي في الروضة ‏:‏ أنه يحصل بكل ما يؤثر العاقل الإقدام عليه‏,‏ حذرا ما هدد به وذاك يختلف باختلاف الأشخاص‏,‏ والأفعال المطلوبة‏,‏ والأمور المخوف بها فقد يكون الشيء إكراها في شيء دون غيره‏,‏ وفي حق شخص دون آخر‏.‏ فالإكراه على الطلاق يكون بالتخويف بالقتل‏,‏ والقطع‏,‏ والحبس الطويل والضرب الكثير والمتوسط لمن لا يحتمله بدنه ولم يعتده‏,‏ وبتخويف ذي المروءة بالصفع في الملإ وتسويد الوجه‏,‏ ونحوه‏,‏ وكذا بقتل الوالد وإن علا والولد‏,‏ وإن سفل على الصحيح‏.‏ لا سائر المحارم‏.‏ وإتلاف المال على الأصح‏.‏

وإن كان الإكراه على القتل‏,‏ فالتخويف بالحبس‏,‏ وقتل الولد ليس إكراها‏.‏ وإن كان على إتلاف مال فالتخويف بجميع ذلك إكراه‏.‏ قال النووي‏:‏ وهذا الوجه أصح لكن في بعض تفصيله المذكور نظر‏.‏ والتهديد بالنفي عن البلد إكراه على الأصح‏;‏ لأن مفارقة الوطن شديدة‏,‏ ولهذا جعلت عقوبة للزاني‏.‏ وكذا تهديد المرأة بالزنا‏,‏ والرجل باللواط‏.‏

ولا بد في كل ذلك من أمور‏:‏

أحدها‏:‏ قدرة المكره على تحقيق ما هدد به بولاية‏,‏ أو تغلب‏,‏ أو فرط هجوم‏.‏

ثانيها‏:‏ عجز المكره عن دفعه بهرب‏,‏ أو استغاثة‏,‏ أو مقاومة‏.‏

ثالثها‏:‏ ظنه أنه إن امتنع عما أكره عليه أوقع به المتوعد‏.‏

رابعها‏:‏ كون المتوعد مما يحرم تعاطيه على المكره‏.‏

فلو قال ولي القصاص للجاني‏:‏ طلق امرأتك‏,‏ وإلا اقتصصت منك‏.‏ لم يكن إكراها‏.‏

خامسها‏:‏ أن يكون عاجلا‏.‏ فلو قال‏:‏ طلقها وإلا قتلتك غدا‏,‏ فليس بإكراه‏.‏ 

سادسها‏:‏ أن يكون معينا‏.‏ فلو قال‏:‏ اقتل زيدا‏,‏ أو عمرا‏,‏ فليس بإكراه‏.‏

سابعها‏:‏ أن يحصل بفعل المكره عليه التخلص من المتوعد به‏.‏ فلو قال‏:‏ اقتل نفسك‏;‏ وإلا قتلتك‏,‏ فليس بإكراه‏.‏ ولا يحصل الإكراه بقوله‏:‏ وإلا قتلت نفسي‏,‏ أو كفرت‏,‏ أو أبطلت صومي‏,‏ أو صلاتي‏.‏ ويشترط في الإكراه على كلمة الكفر طمأنينة القلب بالإيمان‏.‏ فلو نطق معتقدا بها كفر‏,‏ ولو نطق غافلا عن الكفر والإيمان ففي ردته وجهان في الحاوي‏.‏ قال في المطلب‏:‏ والآية تدل على أنه مرتد‏.‏ قال الماوردي‏:‏ والأحوال الثلاثة يأتي مثلها في الطلاق‏,‏ ولا يشترط في الطلاق التورية‏,‏ بأن ينوي غيرها على الأصح‏.‏ وفي شرح المهذب‏:‏ نص الشافعي على أن من أكره على شرب الخمر‏,‏ أو أكل محرم يجب أن يتقيأ إذا قدر‏.‏ أمر السلطان‏,‏ هل يكون إكراها‏؟‏ اختلف في أمر السلطان‏,‏ هل ينزل منزلة الإكراه‏؟‏ على وجهين‏,‏ أو قولين‏:‏

أحدهما‏:‏ لا‏,‏ وإنما الإكراه بالتهديد صريحا‏,‏ كغير السلطان‏.‏

والثاني‏:‏ نعم‏,‏ لعلتين‏:‏

إحداهما‏:‏ أن الغالب من حاله السطوة عند المخالفة‏.‏

والثاني‏:‏ أن طاعته واجبة في الجملة‏,‏ فينتهض ذلك شبهة‏.‏

قال الرافعي‏:‏ ومقتضى ما ذكره الجمهور صريحا ودلالة‏:‏ أنه لا ينزل منزلة الإكراه‏.‏

قال‏:‏ ومثل السلطان في إجراء الخلاف‏:‏ الزعيم‏,‏ والمتغلب‏;‏ لأن المدار على خوف المحذور من مخالفته‏.‏

وأما حكم الحاكم وحكم الشرع فهل ينزلان منزلته‏؟‏

فيه فروع‏:‏

منها‏:‏ لو حلف لا يفارقه‏,‏ حتى يستوفي حقه فأفلس‏.‏ ومنعه الحاكم من ملازمته‏,‏ ففيه قولا المكره‏.‏ ومنها‏:‏ لو حلف ليطأن زوجته الليلة‏:‏ فوجدها حائضا‏,‏ لم يحنث‏,‏ كما لو أكره على ترك الوطء‏.‏ 

ومنها‏:‏ قال‏:‏ إن لم تصومي غدا فأنت طالق‏,‏ فحاضت فوقوع الطلاق على الخلاف في المكره‏,‏ ذكره الرافعي‏.‏

ومنها‏:‏ من ابتلع طرف خيط ليلا‏,‏ وبقي طرفه خارجا‏,‏ ثم أصبح صائما‏,‏ فإن نزعه أفطر‏,‏ وإن تركه لم تصح صلاته‏;‏ لأنه متصل بنجاسة‏.‏ وقال في الخادم‏:‏ فطريقه أن يجبره الحاكم على نزعه‏,‏ ولا يفطر‏;‏ لأنه كالمكره‏.‏ قال‏:‏ بل لو قيل‏:‏ لا يفطر بالنزع باختياره لم يبعد تنزيلا لإيجاب الشرع منزلة الإكراه‏,‏ كما إذا حلف‏:‏ أن يطأها في هذه الليلة‏,‏ فوجدها حائضا لا يحنث‏.‏

ومنها‏:‏ لو حلف لا يحلف يمينا مغلظة‏,‏ فوجب عليه يمين وقلنا‏:‏ بوجوب التغليظ حلف‏,‏ وحنث‏.‏

ومنها‏:‏ لو كان له عبد مقيد‏,‏ فحلف بعتقه أن في قيده عشرة أرطال‏.‏ وحلف بعتقه لا يحله هو ولا غيره فشهد عند القاضي عدلان أن في قيده خمسة أرطال‏,‏ فحكم بعتقه‏,‏ ثم حل القيد‏,‏ فوجده عشرة أرطال‏.‏ قال ابن الصباغ‏:‏ لا شيء على الشاهدين‏;‏ لأن العتق حصل بحل القيد‏,‏ دون الشهادة لتحقق كذبهما‏.‏ حكاه الرافعي في أواخر العتق‏.‏

تنبيه‏:‏

يقع في الفتاوى كثيرا أن رجلا حلف بالطلاق لا يؤدي الحق الذي عليه فيفتى في خلاصه بأن يرفع إلى الحاكم‏,‏ فيحكم عليه بالأداء‏.‏ وأنه لا يحنث‏,‏ تنزيلا للحكم منزلة الإكراه‏.‏

وعندي في هذه وقفة‏:‏

أما أولا‏:‏ فلأن الشيخين‏:‏ لم ينزلا الحكم منزلة الإكراه في كل صورة‏,‏ ولا قررا ذلك قاعدة عامة‏,‏ بل ذكراها في بعض الصور وذكرا خلافها في بعضها كما تراه‏,‏ فليس إلحاق هذه الصورة بالصورة التي حكما فيها بعدم الحنث أولى من إلحاقها بالتي حكما فيها بالحنث‏.‏ أما ثانيا‏:‏ فلأن الإكراه بحق لا أثر له في عدم النفوذ‏,‏ بدليل صحة بيع من أكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه وطلاق المولى إذا أكرهه الحاكم‏;‏ لأن الإكراه فيهما بحق‏.‏ فالذي ينشرح له الصدر فيما نحن فيه‏:‏ القول بالحنث‏,‏ ولا أثر للحكم في منعه‏.‏ هذا إذا كان معترفا بالحق‏,‏ فإن كان منكرا له‏,‏ وثبت بالبينة قوي في هذه الحالة عدم الحنث‏;‏ لأنه يزعم أنه مظلوم في هذا الحكم‏,‏ فلم يكن الإكراه بحق في دعواه‏.‏ والطلاق لا يقع بالشك‏,‏ وقولي في هذه الحالة‏:‏ بعدم الحنث‏:‏ أي ظاهرا‏.‏ فلو كانت البينة صادقة في الواقع‏,‏ وهو عالم بأن عليه ما شهدت به‏.‏ وقع باطنا‏.‏ والله أعلم‏.‏ 

ثم رأيت الزركشي قال في قواعده‏:‏ ذكر الرافعي في كتاب الطلاق‏:‏ أنه لو قال‏:‏ إن أخذت مني حقك فأنت طالق‏.‏ فأكرهه السلطان‏,‏ حتى أعطى بنفسه فعلى القولين في فعل المكره‏.‏ وقضيته‏:‏ ترجيح عدم الحنث‏,‏ والمتجه خلافه‏;‏ لأنه إكراه بحق هذه عبارته‏.‏

القول في النائم‏,‏ والمجنون‏,‏ والمغمى عليه

قال رسول الله‏:‏ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏رفع القلم عن ثلاث‏:‏ عن النائم‏,‏ حتى يستيقظ‏,‏ وعن المبتلى حتى يبرأ‏,‏ وعن الصبي حتى يكبر‏"‏‏.‏ هذا حديث صحيح‏,‏ أخرجه أبو داود بهذا اللفظ‏.‏ من حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏ وأخرجه من حديث علي وعمر بلفظ‏:‏ ‏"‏عن المجنون حتى يبرأ‏,‏ وعن النائم حتى يعقل‏"‏ وأخرجه أيضا عنهما بلفظ‏:‏ ‏"‏عن المجنون حتى يفيق‏"‏ وبلفظ‏:‏ ‏"‏عن الصبي‏,‏ حتى يحتلم‏"‏‏,‏وبلفظ‏:‏ ‏"‏حتى يبلغ‏"‏‏.‏وذكر أبو داود‏:‏ أن ابن جريج رواه عن القاسم بن يزيد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم فزاد فيه ‏"‏والخرف‏"‏‏.‏ وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس‏,‏ وشداد بن أوس‏,‏ وثوبان والبزار من حديث أبي هريرة‏.‏ قلت‏:‏ قد ألف السبكي في شرح هذا الحديث كتابا‏,‏ سماه ‏"‏إبراز الحكم من حديث‏:‏ ‏"‏رفع القلم‏"‏ ذكر فيه ثمانية وثلاثين فائدة تتعلق به‏.‏ وأنا أنقل منه هنا في مبحث الصبي ما تراه إن شاء الله تعالى‏.‏ وأول ما نبه عليه‏:‏ أن الذي وقع في جميع روايات الحديث‏:‏ في سنن أبو داود‏,‏ وابن ماجه والنسائي‏,‏ والدارقطني ‏"‏عن ثلاثة‏"‏ بإثبات الهاء ويقع في بعض كتب الفقهاء ‏"‏ثلاث‏"‏ بغير هاء‏.‏

قال‏:‏ ولم أجد لها أصلا‏.‏ قال الشيخ أبو إسحاق‏:‏ ‏"‏العقل‏"‏ صفة يميز بها الحسن والقبيح‏.‏ قال بعضهم‏:‏ ويزيله الجنون والإغماء والنوم‏.‏ وقال الغزالي‏:‏ الجنون يزيله والإغماء يغمره والنوم يستره‏.‏ قال السبكي‏:‏ وإنما لم يذكر المغمى عليه في الحديث‏;‏ لأنه في معنى النائم وذكر الخرف في بعض الروايات‏,‏ وإن كان في معنى المجنون‏;‏ لأنه عبارة عن اختلاط العقل بالكبر‏,‏ ولا يسمى جنونا‏;‏ لأن الجنون يعرض من أمراض سوداوية ويقبل العلاج‏,‏ والخرف خلاف ذلك‏.‏ 

ولهذا لم يقل في الحديث ‏"‏حتى يعقل‏"‏‏,‏ لأن الغالب أنه لا يبرأ منه إلى الموت‏.‏

قال‏:‏ ويظهر أن الخرف رتبة بين الإغماء والجنون‏,‏ وهي إلى الإغماء أقرب انتهى‏.‏ واعلم‏:‏ أن الثلاثة قد يشتركون في أحكام‏,‏ وقد ينفرد النائم عن المجنون‏.‏ والمغمى عليه تارة يلحق بالنائم‏,‏ وتارة يلحق بالمجنون‏.‏

وبيان ذلك بفروع‏.‏

الأول‏:‏ الحدث يشترك فيه الثلاثة‏.‏

الثاني‏:‏ استحباب الغسل عند الإفاقة للمجنون‏,‏ ومثله المغمى عليه‏.‏

الثالث‏:‏ قضاء الصلاة إذا استغرق ذلك الوقت‏,‏ يجب على النائم‏,‏ دون المجنون‏,‏ والمغمى عليه كالمجنون‏.‏

الرابع‏:‏ قضاء الصوم إذا استغرق النهار‏,‏ يجب على المغمى عليه بخلاف المجنون‏.‏ والفرق بينه وبين الصلاة كثرة تكررها‏.‏

ونظيره‏:‏ وجوب قضاء الصوم على الحائض والنفساء‏,‏ دون الصلاة‏.‏

وأما النائم‏:‏ إذا استغرق النهار وكان نوى من الليل‏,‏ فإنه يصح صومه على المذهب‏.‏ والفرق بينه وبين المغمى عليه‏:‏ أنه ثابت العقل‏;‏ لأنه إذا نبه انتبه بخلافه‏.‏

وفي النوم وجه أنه يضر كالإغماء‏.‏

وفي الإغماء وجه‏:‏ أنه لا يضر كالنوم‏,‏ ولا خلاف في الجنون‏.‏

وأما غير المستغرق من الثلاثة‏,‏ فالنوم لا يضر بالإجماع‏,‏ وفي الجنون قولان‏:‏ الجديد البطلان‏;‏ لأنه مناف للصوم‏,‏ كالحيض وقطع به بعضهم‏.‏

وفي الإغماء طرق‏:‏

أحدها‏:‏ لا يضر إن أفاق جزءا من النهار‏,‏ سواء كان في أوله أو آخره‏.‏

والثاني‏:‏ القطع بأنه إن أفاق في أوله صح‏,‏ وإلا فلا‏.‏

والثالث‏:‏ وهو الأصح فيه أربعة أقوال أظهرها لا يضر إن أفاق لحظة ما‏.‏

والثاني‏:‏ في أوله خاصة‏.‏

والثالث‏:‏ في طرفيه‏.‏

والرابع‏:‏ يضر مطلقا فيه‏,‏ فتشترط الإفاقة جميع النهار‏.‏

والفرع الخامس‏:‏ الأذان‏.‏

لو نام أو أغمي عليه أثناءه‏,‏ ثم أفاق‏,‏ إن لم يطل الفصل بنى‏,‏ وإن طال‏,‏ وجب والاستئناف على المذهب‏.‏

قال في شرح المهذب‏,‏ قال أصحابنا‏:‏ والجنون هنا كالإغماء‏.‏

السادس‏:‏ لو لبس الخف‏,‏ ثم نام حتى مضى يوم وليلة انقضت المدة‏.‏ 

قال البلقيني‏:‏ ولو جن أو أغمي عليه‏,‏ فالقياس أنه لا تحتسب عليه المدة‏;‏ لأنه لا تجب عليه الصلاة‏,‏ بخلاف النوم لوجوب القضاء‏.‏ قال‏:‏ ولم أر من تعرض لذلك‏.‏

السابع‏:‏ إذا نام المعتكف حسب زمن النوم من الاعتكاف قطعا‏;‏ لأنه كالمستيقظ‏.‏ وفي زمان الإغماء وجهان‏:‏ أصحهما يحسب‏.‏ ولا يحسب زمن الجنون قطعا‏;‏ لأن العبادات البدنية لا يصح أداؤها في حال الجنون‏.‏

الثامن‏:‏ يجوز للولي أن يحرم عن المجنون بخلاف المغمى عليه كما جزم به الرافعي‏.‏

التاسع‏:‏ الوقوف بعرفة لا يصح من المجنون‏;‏ والمغمى عليه مثله في الأصح‏,‏ بخلاف النائم المستغرق في الأصح‏.‏

وحكى الرافعي عن المتولي وأقره ‏:‏ أنه إذا لم يجزه في المجنون يقع نفلا‏,‏ كحج الصبي‏.‏

وكذا المغمى عليه‏,‏ كما في شرح المهذب‏.‏

العاشر‏:‏ يصح الرمي عن المغمى عليه‏,‏ ممن أذن له قبل الإغماء‏,‏ في حال تجوز فيه الاستنابة‏.‏

قال في شرح المهذب‏:‏ والمجنون مثله‏,‏ صرح به المتولي وغيره‏.‏

الحادي عشر‏:‏ يبطل بالجنون كل عقد جائز‏,‏ كالوكالة إلا في رمي الجمار‏,‏ والإيداع والعارية والكتابة الفاسدة‏,‏ ولا يبطل بالنوم‏.‏ وفي الإغماء وجهان‏:‏ أصحهما كالمجنون‏.‏

الثاني عشر‏:‏ ينعزل القاضي بجنونه وبإغمائه بخلاف النوم‏.‏

الثالث عشر‏:‏ ينعزل الإمام الأعظم بالجنون‏:‏ ولا ينعزل بالإغماء‏;‏ لأنه متوقع الزوال‏.‏

الرابع عشر‏:‏ إذا جن ولي النكاح‏,‏ انتقلت الولاية للأبعد‏,‏ والإغماء إن دام أياما ففي وجه‏:‏ كالجنون‏,‏ والأصح لا‏,‏ بل ينتظر كما لو كان سريع الزوال‏.‏

الخامس عشر‏:‏ يزوج المجنون وليه بشرطه المعروف ولا يزوج المغمى عليه كما يفهم من كلامهم‏,‏ وهو نظير الإحرام بالحج‏.‏

السادس عشر‏:‏ قال الأصحاب‏:‏ لا يجوز الجنون على الأنبياء‏;‏ لأنه نقص ويجوز عليهم الإغماء‏;‏ لأنه مرض‏,‏ ونبه السبكي على أن الإغماء الذي يحصل لهم ليس كالإغماء الذي يحصل لآحاد الناس‏,‏ وإنما هو لغلبة الأوجاع للحواس الظاهرة فقط دون القلب‏.‏

قال‏:‏ لأنه قد ورد أنه إنما تنام أعينهم دون قلوبهم‏,‏ فإذا حفظت قلوبهم وعصمت من النوم الذي هو أخف من الإغماء‏,‏ فمن الإغماء بطريق الأولى‏,‏ انتهى‏.‏ وهو نفيس جدا‏.‏ 

السابع عشر‏:‏ الجنون يقتضي الحجر‏,‏ وأما الإغماء فالظاهر أنه مثله‏,‏ كما يفهم من كلامهم‏.‏

الثامن عشر‏:‏ يشترك الثلاثة في عدم صحة مباشرة العبادة والبيع والشراء‏,‏ وجميع التصرفات من العقود والفسوخ كالطلاق والعتق‏,‏ وفي غرامة المتلفات وأروش الجنايات‏.‏ التاسع عشر‏:‏ لا ينقطع خيار المجلس بالجنون والإغماء على الصحيح‏.‏ ولم أر من تعرض للنوم‏.‏

العشرون‏:‏ لو قال إن كلمت فلانا فأنت طالق‏,‏ فكلمته وهو نائم أو مغمى عليه أو هذت بكلامه في نومها وإغمائها‏,‏ أو كلمته وهو مجنون طلقت أو وهي مجنونة‏;‏ قال ابن الصباغ‏:‏ لا تطلق‏,‏ وقال القاضي حسين‏:‏ تطلق‏.‏ قال الرافعي‏:‏ والظاهر تخريجه على حنث الناسي‏.‏

الحادي والعشرون‏:‏ لو وطئ المجنون زوجة ابنه حرمت عليه‏,‏ قاله القاضي حسين‏.‏ الثاني والعشرون‏:‏ ذهب القاضي والفوراني إلى أن المجنون لا يتزوج الأمة‏;‏ لأنه لا يخاف من وطء يوجب الحد والإثم‏,‏ ولكن الأصح خلافه‏,‏ كذا في الأشباه والنظائر لابن الوكيل‏.‏ ثم ذكر أن الشافعي نص على أن المجنون لا يزوج منه أمة‏.‏

فرع‏:‏

قال النووي في شرح المهذب‏:‏ يسن إيقاظ النائم للصلاة‏,‏ لا سيما إن ضاق وقتها‏.‏ وقال السبكي في كتابه المتقدم ذكره‏:‏ إذا دخل على المكلف وقت الصلاة وتمكن من فعلها وأراد أن ينام قبل فعلها‏,‏ فإن وثق من نفسه أنه يستيقظ قبل خروج الوقت بما يمكنه أن يصلي فيه جاز‏,‏ وإلا لم يجز‏,‏ وكذا لو لم يتمكن ولكن بمجرد دخول الوقت قصد أن ينام‏,‏ فإن نام حيث لم يثق من نفسه بالاستيقاظ أثم إثمين‏;‏ أحدهما إثم ترك الصلاة‏,‏ والثاني إثم التسبب إليه‏,‏ وهو معنى قولنا‏:‏ يأثم بالنوم‏.‏ وإن استيقظ على خلاف ظنه‏;‏ وصلى في الوقت لم يحصل له إثم ترك الصلاة وأما ذلك الإثم الذي حصل‏,‏ فلا يرتفع إلا بالاستغفار‏.‏ ولو أراد أن ينام قبل الوقت وغلب على ظنه أن نومه يستغرق الوقت‏,‏ لم يمتنع عليه ذلك‏;‏ لأن التكليف لم يتعلق به بعد‏,‏ ويشهد له ما ورد في الحديث أن امرأة عابت زوجها بأنه ينام حتى تطلع الشمس‏,‏ فلا يصلي الصبح إلا ذلك الوقت فقال‏:‏ إنا أهل بيت معروف لنا ذلك أي ينامون من الليل حتى تطلع الشمس فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذا استيقظت فصل‏"‏‏.‏ وأما إيقاظ النائم الذي لم يصل‏,‏ فالأول وهو الذي نام بعد الوجوب يجب إيقاظه من باب النهي عن المنكر‏.‏

وأما الذي نام قبل الوقت فلا‏;‏ لأن التكليف لم يتعلق به‏,‏ لكن إذا لم يخش عليه ضرر فالأولى إيقاظه‏;‏ لينال الصلاة في الوقت انتهى ملخصا‏.‏

القول في السكران

اختلف في تكليفه على قولين‏:‏

والأصح المنصوص في الأم‏:‏ أنه مكلف‏.‏

قال الرافعي‏:‏ وفي محل القولين أربع طرق أصحها‏:‏ أنهما جاريان في أقواله وأفعاله كلها‏,‏ ما له وما عليه‏.‏

والثاني‏:‏ أنهما في أقواله كلها‏,‏ كالطلاق والعتاق والإسلام والردة‏,‏ والبيع والشراء وغيرها‏,‏ وأما أفعاله‏.‏

كالقتل والقطع وغيرها‏,‏ فكأفعال الصاحي بلا خلاف لقوة الأفعال‏.‏

الثالث‏:‏ أنهما في الطلاق والعتاق والجنايات‏.‏

وأما بيعه وشراؤه وغيرهما من المعاوضات‏,‏ فلا يصح بلا خلاف‏;‏ لأنه لا يعلم ما يعقد عليه والعلم شرط في المعاملات‏.‏

الرابع‏:‏ أنهما فيما له‏,‏ كالنكاح والإسلام‏.‏

أما ما عليه كالإقرار والطلاق والضمان‏,‏ فينفذ قطعا تغليظا‏.‏

وعلى هذا لو كان له من وجه‏,‏ وعليه من وجه‏,‏ كالبيع والإجارة نفذ تغليبا بطريق التغليظ‏.‏

هذا ما أورده الرافعي‏.‏

وقد اغتر به بعضهم فقال تفريعا على الأصل‏:‏

السكران في كل أحكامه كالصاحي‏,‏ إلا في نقض الوضوء‏.‏

قلت‏:‏ وفيه نظر‏,‏ فالصواب تقييد ذلك بغير العبادات‏.‏

ويستثنى منه الإسلام‏.‏

أما العبادات‏,‏ فليس فيها كالصاحي كما تبين ذلك‏.‏

فمنها الأذان‏,‏ فلا يصح أذانه على الصحيح‏;‏ كالمجنون والمغمى عليه‏;‏ لأن كلامه لغو وليس من أهل العبادة‏,‏ وفيه وجه أنه يصح بناء على صحة تصرفاته‏.‏

قال في شرح المهذب‏:‏ وليس بشيء‏,‏ قال‏:‏ أما من هو في أول النشوة‏,‏ فيصح أذانه بلا خلاف‏.‏ 

ومنها‏,‏ لو شرب المسكر ليلا وبقي سكره جميع النهار‏,‏ لم يصح صومه‏,‏ وعليه القضاء‏,‏ وإن صحا في بعضه فهو كالإغماء في بعض النهار‏.‏

ومنها لو سكر المعتكف‏,‏ بطل اعتكافه ونتابعه أيضا‏.‏

واعلم‏:‏ أن في بطلان الاعتكاف بالسكر والردة‏,‏ ستة طرق‏,‏ نظير مسألة العفو عما لا يدركه الطرف في الماء والثوب‏.‏

الأول وهو الأصح‏:‏ يبطل بهما قطعا‏;‏ لأنهما أفحش من الخروج من المسجد‏.‏

والثاني‏:‏ لا‏;‏ قطعا‏.‏

والثالث فيهما قولان‏.‏

والرابع‏:‏ يبطل في السكر دون الردة‏;‏ لأن السكران ليس من أهل المقام في المسجد‏;‏ لأنه لا يجوز إقراره فيه‏,‏ فصار كما لو خرج من المسجد‏,‏ والمرتد من أهل المقام فيه‏;‏ لأنه يجوز إقراره فيه‏.‏

والخامس‏:‏ يبطل في الردة دون السكر‏;‏ لأنه كالنوم بخلافها‏;‏ لأنها تنافي العبادات‏.‏

والسادس‏,‏ يبطل في السكر لامتداد زمانه‏,‏ وكذا الردة إن طال زمانها‏,‏ وإلا فلا‏.‏

قال الرافعي‏,‏ ولا خلاف أنه لا يحسب زمانها‏.‏

ومنها‏:‏ لا يصح وقوف السكران بعرفة‏,‏ سواء كان متعديا أم لا‏,‏ كالمغمى عليه‏,‏ ذكره في شرح المهذب‏.‏

ومنها‏:‏ في وجوب الرد عليه إذا سلم‏,‏ وكذا المجنون‏,‏ وجهان في الروضة بلا ترجيح‏,‏ قال في شرح المهذب‏:‏ والأصح أنه لا يجب الرد عليهما‏,‏ ولا يسن ابتداؤهما‏.‏ فهذه فروع ليس السكران فيها كالصاحي‏.‏

وبقي فرع‏,‏ لم أر من ذكره وهو‏:‏

لو بان إمامه سكران‏,‏ فهل تجب الإعادة كما لو بان مجنونا‏;‏ لأنه لا يخفى حاله أولا‏,‏ كما لو بان محدثا‏؟‏ الظاهر‏:‏ الأول‏.‏

حد السكر‏:‏

فيه عبارات‏.‏

قال الشافعي‏:‏ السكران هو الذي اختلط كلامه المنظوم وانكشف سره المكتوم‏.‏

وقال المزني‏:‏ هو الذي لا يفرق بين السماء والأرض ولا بين أمه وامرأته‏.‏

وقيل‏:‏ هو الذي يفصح بما كان يحتشم منه‏.‏

وقيل‏:‏ الذي يتمايل في مشيه ويهذي في كلامه‏.‏

وقيل‏:‏ الذي لا يعلم ما يقول‏.‏

وقال ابن سريج‏:‏ الرجوع فيه إلى العادة‏,‏ فإذا انتهى تغيره إلى حالة يقع عليه اسم السكران‏,‏ فهو المراد بالسكران‏.‏ قال الرافعي‏:‏ وهو الأقرب‏,‏ ولم يرتض الإمام شيئا من هذه العبارات‏,‏ وقال‏:‏ الشارب له ثلاثة أحوال‏:‏

أولها‏:‏ هزة ونشاط‏,‏ يأخذه إذا دبت الخمر فيه ولم تستول عليه بعد‏,‏ ولا يزول العقل في هذه الحالة بلا خلاف‏,‏ فهذا ينفذ طلاقه وتصرفاته لبقاء عقله‏.‏

الثانية‏:‏ نهاية السكر‏:‏ وهو أن يصير طافحا ويسقط كالمغشي عليه‏,‏ لا يتكلم ولا يكاد يتحرك‏,‏ فلا ينفذ طلاقه ولا غيره‏;‏ لأنه لا عقل له‏.‏

الثالثة‏:‏ حالة متوسطة بينهما‏:‏ وهو أن تختلط أحواله ولا تنتظم أقواله وأفعاله ويبقى تمييز وفهم وكلام‏,‏ فهذه الثلاثة سكر‏,‏ وفيها القولان‏.‏

وما ذكره في الحالة الثانية تابعه عليه الغزالي‏,‏ وجعلا لفظه كلفظ النائم‏.‏

قال الرافعي في الطلاق‏:‏ ومن الأصحاب من جعله على الخلاف‏,‏ لتعديه بالتسبب إلى هذه الحالة‏.‏

قال‏:‏ وهو أوفق لإطلاق الأكثرين‏.‏ قال الأسنوي‏:‏ وقد خالف في مواضع‏,‏ فجزم بأن الطافح الذي سقط تمييزه بالكلية كلامه لغو‏.‏

ومنها‏:‏ في ولاية النكاح فقال‏:‏ السكر إن حصل بسبب يفسق به‏,‏ فإن قلنا‏:‏ الفاسق لا يلي‏,‏ فذاك‏,‏ وإن قلنا‏:‏ يلي أو حصل بسبب لا يفسق‏,‏ فإن لم ينفذ تصرف السكران فالسكر كالإغماء‏,‏ وإن جعلنا تصرفه كتصرف الصاحي‏,‏ فمنهم من صحح تزويجه ومنهم من منع لاختلال نظره‏.‏

ثم الخلاف فيما إذا بقي له تمييز ونظر‏.‏ فأما الطافح الذي سقط تمييزه بالكلية فكلامه لغو‏.‏

ومنها‏:‏ في أواخر الطلاق قال‏:‏ إن كلمت فلانا فأنت طالق فكلمته وهو سكران‏,‏ أو مجنون طلقت‏.‏ قال ابن الصباغ‏:‏ يشترط أن السكران بحيث يسمع ويتكلم‏.‏ وأما كلامها في سكرها‏,‏ فتطلق به على الأصح إلا إذا انتهت إلى السكر الطافح‏.‏ وذكر مثله في الأيمان‏.‏

 

تنبيه‏:‏

من المشكل‏:‏ قول المنهاج في عدة مواضع‏:‏

منها‏:‏ في الطلاق يشترط لنفوذه‏:‏ التكليف إلا السكران‏.‏

وقال في الدقائق وغيرها‏:‏ إن قوله‏:‏ ‏"‏إلا السكران‏"‏ زيادة على المحرر‏,‏ لا بد منها‏,‏ فإنه غير مكلف‏,‏ مع أنه يقع طلاقه‏.‏ قال الأسنوي‏:‏ وهذا كلام غير مستقيم‏,‏ فإن الصواب‏:‏ أنه مكلف‏.‏

وحكمه كحكم الصاحي فيما له وعليه‏,‏ غير أن الأصوليين قالوا‏:‏ إنه غير مكلف‏,‏ وأبطلوا تصرفاته مطلقا‏,‏ فخلط النووي طريقة الفقهاء بطريقة الأصوليين‏,‏ فإنه نفى عنه التكليف ومع ذلك حكم بصحة تصرفاته‏,‏ وهما طريقتان لا يمكن الجمع بينهما‏.‏

وقال في الخادم‏:‏ ما ذكره الأسنوي مردود‏,‏ بل الأصوليون قالوا‏:‏ إنه غير مكلف مع قولهم بنفوذ تصرفاته صرح بذلك الإمام والغزالي‏,‏ وغيرهما‏.‏ وأجابوا عن نفوذ تصرفاته بأنه من قبيل ربط الأحكام بالأسباب الذي هو خطاب الوضع وليس من باب التكليف‏.‏ وعن ابن سريج‏:‏ أنه أجاب بجواب آخر‏,‏ وهو أنه لما كان سكره لا يعلم إلا من جهته‏,‏ وهو متهم في دعوى السكر لفسقه‏.‏ ألزمناه حكم أقواله‏,‏ وأفعاله وطردنا ما لزمه في حال الصحة‏.‏

القول في أحكام الصبي

قال في كفاية المتحفظ‏:‏ الولد ما دام في بطن أمه فهو جنين‏,‏ فإذا ولدته سمي صبيا‏,‏ فإذا فطم سمي غلاما‏,‏ إلى سبع سنين‏,‏ ثم يصير يافعا‏,‏ إلى عشر‏,‏ ثم يصير حزورا‏,‏ إلى خمسة عشر‏.‏ انتهى‏.‏

والفقهاء يطلقون الصبي على من لم يبلغ‏,‏ وهو في الأحكام على أربعة أقسام‏:‏

الأول‏:‏ ما لا يلحق فيه بالبالغ‏,‏ بلا خلاف‏,‏ وذلك في التكاليف الشرعية‏:‏ من الواجبات والمحرمات‏,‏ والحدود‏.‏ والتصرفات‏:‏ من العقود‏,‏ والفسوخ‏,‏ والولايات‏.‏

ومنها‏:‏ تحمل العقل‏.‏

الثاني‏:‏ ما يلحق فيه بالبالغ‏,‏ بلا خلاف عندنا‏.‏

وفي ذلك فروع‏:‏

منها وجوب الزكاة في ماله‏,‏ والإنفاق على قريبه منه‏,‏ وبطلان عبادته بتعمد المبطل لا خلاف في ذلك‏:‏ في الطهارة‏,‏ والصلاة‏,‏ والصوم‏,‏ وصحة العبادات منه‏,‏ وترتب الثواب عليها‏,‏ وإمامته في غير الجمعة ووجوب تبييت النية في صوم رمضان‏.‏ قال في الروضة‏,‏ في باب الغصب‏:‏ الرجل‏,‏ والمرأة‏,‏ والعبد‏,‏ والفاسق‏,‏ والصبي المميز يشتركون في جواز الإقدام على إزالة المنكرات‏,‏ ويثاب الصبي عليه كما يثاب البالغ‏,‏ وليس لأحد منعه من كسر الملاهي‏,‏ وإراقة الخمر‏,‏ وغيرهما من المنكرات‏,‏ كما ليس له منع البالغ‏,‏ فإن الصبي وإن لم يكن مكلفا فهو من أهل القرب‏,‏ وليس هذا من الولايات‏.‏ وقال السبكي‏:‏ خطاب الندب ثابت في حق الصبي‏,‏ فإنه مأمور بالصلاة من جهة الشارع أمر ندب‏,‏ مثاب عليها‏,‏ وكذلك يوجد في حقه خطاب الإباحة‏,‏ والكراهة‏,‏ حيث يوجد خطاب الندب‏,‏ وهو ما إذا كان مميزا‏.‏ انتهى‏.‏

الثالث‏:‏ ما فيه خلاف‏,‏ والأصح أنه كالبالغ‏.‏

وفيه فروع‏:‏

الأول‏:‏ إذا أحدث الصبي‏,‏ أو أجنب‏,‏ وتطهر‏,‏ فطهارته كاملة‏,‏ فلو بلغ صلى بها‏,‏ ولم تجب إعادتها‏.‏ وفي وجه‏,‏ حكاه المتولي عن المزني‏:‏ أنها ناقصة‏,‏ فتلزمه الإعادة إذا بلغ‏.‏

ولو تيمم‏,‏ ثم بلغ‏,‏ لم يبطل تيممه في الأصح‏,‏ ويصلي به الفرض في الأصح‏.‏

وفي وجه‏:‏ يبطل‏,‏ وفي آخر‏:‏ يصلي به النفل‏,‏ دون الفرض‏.‏

الثاني‏:‏ في صحة أذانه وجهان‏:‏ الصحيح وبه قطع الجمهور ‏:‏ صحته‏,‏ لكن يكره‏.‏

الثالث‏:‏ القيام في صلاة الفرض‏.‏ هل يجب في صلاة الصبي‏,‏ أو يجوز له القعود‏؟‏ وجهان في الكفاية‏,‏ بلا ترجيح‏.‏

قال الأذرعي‏:‏ والأصح عند صاحب البحر‏:‏ المنع‏.‏

قال الأسنوي‏:‏ ويجريان في الصلاة المعادة‏.‏

قال‏:‏ وكلام الأكثرين مشعر بالمنع‏.‏ قلت‏:‏ ولا ينبغي أن يجريا فيما إذا خطب الصبي للجمعة بل يقطع بمنع القعود‏.‏

الرابع في صحة إمامته في الجمعة قولان أصحهما‏:‏ الصحة بشرط أن يتم العدد بغيره‏.‏

الخامس في سقوط فرض صلاة الجنازة به وجهان‏:‏ أصحهما السقوط‏;‏ لأنه تصح إمامته فأشبه البالغ‏.‏ وفي نظيره من رد السلام وجهان أصحهما‏:‏ عدم السقوط‏.‏ والفرق‏:‏ أن المقصود هناك الدعاء وهو حاصل‏,‏ وهنا الأمان‏.‏ وفي سقوط فرض صلاة الجماعة بالصبيان احتمالان للمحب الطبري‏.‏

السادس‏:‏ في جواز توكيله في دفع الزكاة وجهان‏:‏ الأصح الجواز‏.‏ 

السابع‏:‏ يجوز اعتماد قوله في الإذن ودخول دار وإيصال هدية في الأصح‏.‏ ومحل الوجهين‏:‏ ما إذا لم تكن قرينة وإلا فيعتمد قطعا‏.‏

الثامن‏:‏ يحصل بوطئه التحليل على المشهور‏,‏ إذا كان ممن يتأتى منه الجماع‏.‏ أما الصغيرة المطلقة ثلاثا إذا وطئت ففيها طريقان‏,‏ أصحهما‏:‏ الحل قطعا‏.‏

والثاني‏:‏ في التي لا تشتهى الوجهان في الصبي‏.‏

التاسع‏:‏ التقاطه صحيح على المذهب‏,‏ كاحتطابه واصطياده‏.‏

العاشر‏:‏ في وجوب الرد عليه إذا سلم‏,‏ وجهان أصحهما الوجوب‏.‏

الحادي عشر‏:‏ في حل ما ذبحه‏,‏ قولان أصحهما الحل‏,‏ فإن كان مميزا حل قطعا‏.‏

الثاني عشر في صحة إسلام الصبي المميز استقلالا‏,‏ وجهان المرجح منهما‏:‏ البطلان والمختار عند البلقيني الصحة‏,‏ وهو الذي أعتقده‏.‏ ثم رأيت السبكي مال إليه فقال في كتابه ‏"‏إبراز الحكم ‏"‏‏:‏ استدل من قال ببطلانه بالحديث بمثل ما احتج به لبطلان بيعه‏.‏ ووجه الدلالة في البيع‏:‏ أنه لو صح لاستلزم المؤاخذة بالتسليم‏,‏ والمطالبة بالعهدة‏,‏ والحديث دل على عدم المؤاخذة‏.‏ ولو صح أيضا لكلف أحكام البيع‏,‏ وهو لا يكلف شيئا‏,‏ وكذا في الإسلام‏:‏ لو صح لكلف أحكامه واللازم منتف بالحديث‏.‏

قال‏:‏ وهذا استدلال ضعيف‏;‏ لأنه يكفي في ترتيب أحكامه ظهور أثرها بعد البلوغ‏.‏ والقائل بصحة إسلامه يقول‏:‏ إنه إذا بلغ ووصف الكفر صار مرتدا‏,‏ وهذا لا ينفيه الحديث‏,‏ إنما ينفي المؤاخذة حين الصبا والإسلام كالعبادات‏,‏ فكما يصح منه الصوم والصلاة والحج وغيرها‏,‏ يصح منه الإسلام انتهى‏.‏ قلت‏:‏ ومما يدل لصحته من الحديث‏:‏ ما رواه أبو داود في سننه عن مسلم التميمي‏.‏ قال‏:‏ بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية‏,‏ فلما هجمنا على القوم تقدمت أصحابي على فرس‏,‏ فاستقبلنا النساء والصبيان يضجون‏,‏ فقلت لهم‏:‏ تريدون أن تحرزوا أنفسكم‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم‏,‏ قلت قولوا‏:‏ نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله‏,‏ فقالوها فجاء أصحابي فلاموني وقالوا‏:‏ أشرفنا على الغنيمة فمنعتنا‏,‏ ثم انصرفنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏أتدرون ما صنع‏؟‏ لقد كتب الله له بكل إنسان كذا وكذا‏,‏ ثم أدناني منه‏"‏‏.‏

الثالث عشر‏:‏ في كونه كالبالغ في تحريم النظر‏,‏ حتى يجب على المرأة الاحتجاب منه وجهان‏.‏ أصحهما نعم‏.‏

الرابع عشر‏:‏ في استحقاق سلب القتيل الذي يقتله‏,‏ وجهان أصحهما‏:‏ نعم‏.‏ الخامس عشر‏:‏ في جواز القصر والجمع له‏:‏ رأيان‏.‏ قال صاحب البيان‏:‏ لا يجوز‏;‏ لأنهما إنما يكونان في الفرائض‏,‏ والأصح الجواز‏.‏ قال العبادي‏:‏ فلو جمع تقديما ثم بلغ‏,‏ لم تلزمه الإعادة‏.‏

السادس عشر‏:‏ في كون عمده في الجنايات عمدا‏,‏ قولان الأظهر‏:‏ نعم‏.‏

وينبني على ذلك فروع‏:‏

منها‏:‏ وجوب القصاص على شريكه بجرح أو إكراه‏.‏

ومنها‏:‏ تغليظ الدية عليه‏.‏

ومنها‏:‏ فساد الحج بجماعه‏,‏ ووجوب الكفارة والقضاء‏.‏

ومنها‏:‏ وجوب الفدية إذا ارتكب باقي المحظورات‏.‏

ومنها‏:‏ إذا وطئ أجنبية‏,‏ فهو زنا إلا أنه لا حد فيه لعدم التكليف‏,‏ وعلى القول الآخر‏:‏ هو كالواطئ بشبهة‏,‏ فيترتب عليه تحريم المصاهرة‏.‏

الرابع‏:‏ ما فيه خلاف‏,‏ والأصح‏:‏ أنه ليس كالبالغ‏.‏

وفيه فروع‏:‏

الأول‏:‏ سقوط السلام برده كما مر‏.‏

الثاني‏:‏ وجوب نية الفرضية في الصلاة‏.‏ الأصح‏:‏ لا يشترط في حقه‏,‏ كما صوبه في شرح المهذب‏.‏ الثالث‏:‏ قبول روايته‏,‏ فيه وجهان‏,‏ والأصح‏:‏ المنع‏.‏

الرابع والخامس في وصيته‏,‏ وتدبيره‏,‏ قولان‏,‏ والأظهر‏:‏ بطلانهما‏.‏

السادس‏:‏ في منعه من مس المصحف‏,‏ وهو محدث‏:‏ وجهان‏,‏ والأصح‏:‏ لا‏.‏

قال الأسنوي‏:‏ ولم أر تصريحا بتمكينه في حال الجنابة‏,‏ والقياس‏:‏ المنع‏;‏ لأنها نادرة وحكمها أغلظ‏.‏ قلت‏:‏ صرح النووي بالمسألة في فتاويه‏,‏ وسوى فيه بين الجنابة‏,‏ والحدث‏.‏

قال في الخادم‏:‏ وفيه نظر‏;‏ لأنها لا تتكرر‏,‏ فلا يشق‏.‏

قال‏:‏ وعلى قياسه‏:‏ يجوز المكث في المسجد‏,‏ وهو بعيد‏,‏ إذ لا ضرورة‏.‏

السابع‏:‏ في منعه من لبس الحرير‏:‏ وجهان أصحهما‏:‏ لا يمنع‏.‏

الثامن‏:‏ إذا بطل أمان رجال‏,‏ لا يبطل أمان الصبيان‏,‏ في الأصح‏.‏

التاسع‏:‏ هل يجوز أن يلتقط المميز‏؟‏ وجهان‏.‏ الصحيح‏:‏ نعم‏,‏ كغيره‏.‏

العاشر‏:‏ إذا انفرد الصبيان بغزوة وغنموا‏,‏ خمست‏.‏ وفي الباقي أوجه‏:‏ أصحها‏:‏ تقسم بينهم كما يقسم الرضخ‏,‏ على ما يقتضيه الرأي من تسوية‏,‏ وتفضيل‏.‏

الثاني‏:‏ يقسم كالغنيمة‏.‏ للفارس‏:‏ ثلاثة أسهم‏,‏ وللراجل‏:‏ سهم‏.‏

والثالث‏:‏ يرضخ لهم منه‏;‏ ويجعل الباقي لبيت المال‏.‏

الحادي عشر‏:‏ في صحة الأمان منه‏;‏ وجهان‏.‏ أصحهما‏:‏ لا يصح‏.‏ 

ضابط‏:‏

حاصل المواضع التي يقبل فيها خبر المميز‏:‏ الإذن في دخول الدار‏,‏ وإيصال الهدية‏,‏ وإخباره بطلب صاحب الدعوة‏,‏ واختياره أحد أبويه في الحضانة‏,‏ ودعواه‏:‏ استعجال الإنبات بالدواء‏,‏ وشراؤه المحقرات‏,‏ نقل ابن الجوزي الإجماع عليه‏.‏

ما يحصل به البلوغ‏.‏

هو أشياء‏.‏

الأول‏:‏ الإنزال‏,‏ وسواء فيه الذكر والأنثى‏.‏

وفي وجه‏:‏ لا يكون بلوغا في النساء‏;‏ لأنه نادر فيهن‏.‏

ووقت إمكانه‏:‏ استكمال تسع سنين‏,‏ وفي وجه‏:‏ مضي نصف العاشرة‏.‏ وفي آخر استكمالها‏.‏

قال الأسنوي‏:‏ وهذان الوجهان في الصبي‏.‏

أما الصبية‏:‏ فقيل‏:‏ أول التاسعة‏.‏ وقيل‏:‏ نصفها‏,‏ صرح به في التتمة‏.‏

وتعليل الرافعي يرشد إليه‏.‏

ونظيره‏:‏ الحيض‏,‏ والأصح فيه‏:‏ الأول‏,‏ وفيه وجه‏:‏ مضي نصف التاسعة‏.‏ وفي آخر‏:‏ الشروع فيها‏,‏ واللبن‏.‏ وجزم فيه بالأول‏.‏

الثاني‏:‏ السن‏,‏ وهو استكمال خمسة عشر سنة‏.‏

وفي وجه‏:‏ بالطعن في الخامسة عشرة‏.‏

وفي آخر‏:‏ حكاه السبكي‏:‏ مضي ستة أشهر منها‏.‏

قال السبكي‏:‏ والحكمة في تعليق التكليف بخمس عشرة سنة‏:‏ أن عندها بلوغ النكاح وهيجان الشهوة‏,‏ والتوقان‏,‏ وتتسع معها الشهوات في الأكل‏,‏ والتبسط‏,‏ ودواعي ذلك ويدعوه إلى ارتكاب ما لا ينبغي ولا يحجره عن ذلك ويرد النفس عن جماحها‏,‏ إلا رابطة التقوى‏,‏ وتسديد المواثيق عليه والوعيد‏,‏ وكان مع ذلك قد كمل عقله‏,‏ واشتد أسره‏,‏ وقوته‏,‏ فاقتضت الحكمة الإلهية توجه التكليف إليه‏,‏ لقوة الدواعي الشهوانية‏,‏ والصوارف العقلية‏,‏ واحتمال القوة للعقوبات على المخالفة‏.‏

وقد جعل الحكماء للإنسان أطوارا‏,‏ كل طور سبع سنين‏,‏ وأنه إذا تكمل الأسبوع الثاني‏,‏ تقوى مادة الدماغ‏,‏ لاتساع المجاري‏,‏ وقوة الهضم فيعتدل الدماغ‏,‏ وتقوى الفكرة‏,‏ والذكر‏,‏ وتتفرق الأرنبة‏;‏ وتتسع الحنجرة فيغلظ الصوت‏,‏ لنقصان الرطوبة وقوة الحرارة‏.‏ وينبت الشعر لتوليد الأبخرة‏,‏ ويحصل الإنزال‏,‏ بسبب الحرارة‏.‏

وتمام الأسبوع الثاني‏:‏ هو في أواخر الخامسة عشر لأن الحكماء يحسبون بالشمسية‏.‏ 

والمشرعون يعتبرون الهلالية وتمام الخامسة عشرة‏)‏ متأخر عن ذلك شهرا‏,‏ فإما أن تكون الشريعة حكمت بتمامها‏,‏ لكونه أمرا مضبوطا‏,‏ أو لأن هناك دقائق اطلع الشرع عليها‏,‏ ولم يصل الحكماء إليها اقتضت تمام السنة‏.‏ قال‏:‏ وقد اشتملت الروايات الثلاث في حديث‏:‏ ‏"‏رفع القلم‏"‏ وهو قوله‏:‏ ‏"‏حتى يكبر‏"‏ و ‏"‏حتى يعقل‏"‏ و ‏"‏حتى يحتلم‏"‏‏:‏ على المعاني الثلاثة التي ذكرنا أنها تحصل عند خمس عشرة سنة‏.‏

فالكبر‏:‏ إشارة إلى قوته وشدته‏,‏ واحتماله التكاليف الشاقة‏,‏ والعقوبات على تركها‏.‏

والعقل‏:‏ المراد به فكره‏,‏ فإنه وإن ميز قبل ذلك‏,‏ لم يكن فكره تاما‏,‏ وتمامه عند هذا السن‏,‏ وبذلك يتأهل للمخاطبة‏,‏ وفهم كلام الشارع‏,‏ والوقوف مع الأوامر‏,‏ والنواهي‏.‏

والاحتلام‏:‏ إشارة إلى انفتاح باب الشهوة العظيمة‏,‏ التي توقع في الموبقات‏,‏ وتجذبه إلى الهوي في الدركات‏.‏ وجاء التكليف كالحكمة في رأس البهيمة يمنعها من السقوط‏,‏ انتهى كلام السبكي‏.‏

ثم قال‏:‏ وأنا أقول‏:‏ إن البلوغ في الحقيقة المقتضي للتكليف‏:‏ هو بلوغ وقت النكاح للآية‏,‏ والمراد ببلوغ وقته بالاشتداد‏,‏ والقوة‏,‏ والتوقان‏,‏ وأشباه ذلك‏.‏ فهذا في الحقيقة‏:‏ هو البلوغ المشار إليه في الآية الكريمة‏.‏ وضبطه الشارع بأنواع‏:‏

أظهرها‏:‏ الإنزال‏.‏ وإذا أنزل تحققنا حصول تلك الحالة‏:‏ إما قبيل الإنزال‏,‏ وإما مقارنه‏.‏

الثالث‏:‏ إنبات العانة‏,‏ وهو يقتضي الحكم بالبلوغ في الكفار‏.‏ وفي وجه‏:‏ والمسلمين أيضا‏.‏

ومبنى الخلاف‏:‏ على أنه بلوغ حقيقة‏,‏ أو دليل عليه‏,‏ وفيه قولان‏.‏ أظهرهما‏:‏ الثاني‏.‏

فلو قامت بينة على أنه لم يكمل خمس عشرة سنة‏,‏ لم يحكم ببلوغه‏.‏

الرابع‏:‏ نبات الإبط‏,‏ واللحية‏,‏ والشارب‏,‏ فيه طريقان‏.‏

أحدهما‏:‏ أنه لا أثر لها قطعا‏.‏

والثاني‏:‏ أنها كالعانة‏,‏ وألحق صاحب التهذيب الإبط بها‏,‏ دون اللحية‏,‏ والشارب‏.‏ الخامس‏:‏ انفراق الأرنبة‏,‏ وغلظ الصوت‏,‏ ونهود الثدي‏,‏ ولا أثر لها على المذهب‏,‏ وتختص المرأة بالحيض والحبل‏.‏

فرع‏:‏

إذا بلغ في أثناء العبادة‏,‏ فإن كانت صلاة‏,‏ أو صوما‏:‏ وجب إتمامها‏,‏ وأجزأت على الصحيح‏.‏

والثاني‏:‏ يستحب الإتمام‏,‏ وتجب الإعادة‏;‏ لأنه شرع فيها ناقصا‏.‏ أو حجا‏,‏ أو عمرة‏,‏ فإن كان قبل الوقوف في الحج‏,‏ والطواف في العمرة‏:‏ أجزأته عن فرض الإسلام‏,‏ وإلا فلا‏.‏ وفي الحال الأول‏:‏ تجب إعادة السعي‏,‏ إن كان قدمه‏.‏ فلو بلغ بعد فعلها‏,‏ أجزأته الصلاة دون الحج‏,‏ والعمرة‏.‏ والفرق‏:‏ أنه مأمور بالصلاة‏,‏ مضروب عليها بخلاف الحج‏,‏ وأن الحج لما كان وجوبه مرة واحدة في العمر‏:‏ اشترط وقوعه في حال الكمال‏,‏ بخلاف الصلاة وعتق العبد‏,‏ وإفاقة المجنون‏,‏ كبلوغ الصبي‏.‏

فائدة‏:‏

ذكر السبكي في الحديث السابق سؤالين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن قوله‏:‏ ‏"‏حتى يبلغ‏"‏ و ‏"‏حتى يستيقظ‏"‏ و ‏"‏حتى يفيق‏"‏ غايات مستقبلة‏,‏ والفعل المغيا بها‏,‏ هو رفع ماض‏,‏ والماضي لا يجوز أن تكون غايته مستقبلة‏;‏ لأن مقتضى كون الفعل ماضيا‏:‏ كون أجزاء المغيا جميعها ماضية‏,‏ والغاية طرف المغيا‏.‏ ويستحيل أن يكون المستقبل طرفا للماضي‏;‏ لأن الآن فاصل بينهما‏.‏ والغاية‏:‏ إما داخلة في المغيا فتكون ماضية أيضا‏,‏ وإما خارجة مجاورة‏,‏ فيصح أن يكون الآن‏:‏ غاية للماضي‏.‏ وإما أن تكون منفصلة‏,‏ حتى يكون المستقبل المنفصل عن الماضي غاية له‏:‏ فيستحيل‏.‏

الثاني‏:‏ أن الرفع قد يقال‏:‏ إنه يقتضي سبق وضع‏.‏ ولم يكن القلم موضوعا على الصبي‏.‏

وأجاب عن الأول‏:‏ بالتزام حذف‏,‏ أو مجاز‏,‏ حتى يصح الكلام‏,‏ فيقدر‏:‏ رفع القلم‏:‏ فلا يزال مرتفعا حتى يبلغ‏,‏ أو فهو مرتفع‏.‏

وعن الثاني‏:‏ بأن الرفع لا يستدعي تقديم وضع‏,‏ وبأن البيهقي قال‏:‏ إن الأحكام‏;‏ إنما نيطت بخمس عشرة سنة‏,‏ ومن عام الخندق‏,‏ وقبل ذلك كانت تتعلق بالتمييز‏.‏

فإن ثبت هذا احتمل أن يكون المراد بهذا الحديث انقطاع ذلك الحكم‏,‏ وبيان أنه ارتفع التكليف عن الصبي‏,‏ وإن ميز حتى يبلغ‏,‏ فيصح فيه‏:‏ أنه رفع بعد الوضع‏,‏ وهو الصحيح في النائم‏,‏ بلا إشكال‏,‏ باعتبار وضعه عليه قبل نومه‏.‏ وفي المجنون قبل جنونه‏,‏ إذا سبق له حال تكليف‏.‏